الجمعة، 23 أكتوبر 2009

كلام للناس: اطلب دايماً الأصلي.. صناعة الفساد في اليمن!


ناصر يحيى



الاحد, 10.18.2009, 01:22pm (GMT)


عن صحيفة الناس (موقع ناس برس)
(1)


بغض النظر عن صحة أو عدم صحة الوقائع والمعلومات التي وردت في تقرير أساتذة جامعة صنعاء ضد مديرها د. خالد طميم المنشور في صحيفة المصدر.. فإن مضمون التقرير –وبصرف النظر أيضا عن أسماء الأشخاص والجهات- يلخص أزمة الوظيفة العامة في بلادنا.. والمقصود بالوظيفة كل ما يجعل إنسانا يتولى أمر آخرين من أعلى منصب إلى أصغر نوعية منه!


وصناعة الفساد والديكتاتورية في أي إطار بشري جماعي تبدأ من الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها (المسؤول) الذي ما إن يتبوأ منصبه حتى يتحول إلى (فرعون) لا حسيب أمامه ولا رقيب عليه فيصنع ما يشاء، وينفق كما يشاء.. لا فرق في ذلك بين نوعيات المسؤوليات إطلاقا.. ولذلك فإن صناعة الفساد والفراعنة في مجتمعنا مرتبطة بالمنصب مهما صغر وليس فقط بالإمكانيات المادية وقوة نفوذ المنصب.. فالموظف الذي يشغل وظيفة صغيرة، ولكنها تتحكم بمصالح الناس ومعاملاتهم، سرعان ما يكتشف أنه (فرعون) أمامهم.. فعلى سبيل المثال فإن معظم –إن لم نقل كل- مدراء المدارس والمؤسسات التعليمية يتحولون إلى فراعنة وأصحاب سلطة مطلقة يتحكمون في كل جزئية وفي كل موظف أو طالب لديهم دون أن يخشوا قانونا أو محاسبة! فبإمكان أي (مدير) من هؤلاء أن يأمر بإيقاف موظف –يفترض أنه زميل له- عن العمل أو إيقاف راتبه أو خصم أقساط منه.. أو الاستغناء عنه دون أن ترمش له عين أو قانون! وصحيح أن بعض الموظفين يفهمون حقوقهم الوظيفية ويناضلون من أجلها لكن يندر أن ينجحوا في تلافي المشاكل والمصاعب التي يجدون أنفسهم غارقين فيها بسبب (فرعنة) المدير!


(2)


ومقابل الصلاحيات المطلقة التي يتمتع بها المسؤولون في بلادنا فإن قدرة المجتمع والمواطنين الفعلية على مواجهة طغيانهم وإفسادهم تبقى ضئيلة إن لم تكن معدومة.. ومن بدهيات الأشياء أنه لا يمكن أن يكون كل المسؤولين الذين يتم تعينيهم على المستوى المطلوب من الكفاءة والأمانة.. لكن مما يخفف من سوء ذلك هو إمكانية تغيير الفاشل والفاسد أو إيقافه عند حده من قبل المجتمع وأفراده دون صعوبة طالما ثبت إخلاله بوظيفته وأمانته.. ومن سوء حظنا أننا نعيش في بلد يتندر فيه المواطنون أن (المسؤول) الذي تظهر مفاسده ويثبت فشله تزداد حظوظه في الترقي لمناصب أفضل وتزداد حظوته.. وفي أسوأ الأحوال يترك لينعم بما جناه خلال سنوات إفساده إن كان قريبا من أحد الأجلين!


(3)


هناك قواسم مشتركة في ممارسات فراعنة الفساد توفرها لهم السلطة المطلقة التي يتمتعون بها ويعملون هم –أيضاً- على صنع بعض منها لتتوفر الأرضية المناسبة لصناعة الفاسد –الفاشل- المستبد!


ومن هذه القواسم تلك الصلاحيات المطلقة التي أشرنا إليها، وهي تزداد قتامة عندما يكون (المسؤول) قد وضع في المكان غير المناسب إما لكفاءته أو لخبرته الزمنية بحيث يجد نفسه في منصب أكبر منه فيزداد عتوا ويزداد حقدا على الآخرين خوفا منهم على منصبه!


ومن القواسم أن أمثال هؤلاء الفاسدين يحرصون على شرعنة كل أفعالهم وتصرفاتهم بأنها وفقا للتوجهات العليا.. أو الإيحاء برضا المسؤولين الكبار عنها وعنهم.. ويمهدون لذلك بصنع فجوة بين القيادة العليا –لأي إطار بشري جماعي وليس بالضرورة للدولة فقط- وبين سائر الموظفين والعاملين الآخرين، ويمنعون لقاء الطرفين في أجواء عادية يمكن خلالها أن تعرف حقائق لا يراد معرفتها! ومن سوء الحظ أن القيادات العليا تنزلق بسهولة للوقوع في هذا المطب، وتفشل في ابتكار الوسائل التي تستطيع بها معرفة الحقائق دون المرور عبر قنوات الفاسدين المهيمنين!


ومن هذه القواسم.. أن فراعنة الفساد يصنعون حولهم شبكة من المستفيدين من نهب المال العام يضعونهم في منافذ المال: صرفا وإيراداً بحيث لا يعرف أحد غيرهم ماذا يحدث! وبعض هؤلاء قد يكونون نزيهين في أنفسهم ولذلك يتم ضمان سكوتهم أو إرضائهم بالإغداق عليهم بالعلاوات والمنح والمساعدات من باب (اطعم الفم تستح العين)! وتمتد عملية الإفساد هذه حتى إلى الذين هم من خارج الإطار الوظيفي ولكن سكوتهم وغض بصرهم عن الممارسات الخاطئة مهم فيتم إشراكهم في الغنيمة بشكل أو بآخر لا تعجز عنه قرائح الفساد!


ومن هذه القواسم.. فرض نوع من الديكتاتورية والاستبداد في مجال العمل، وإذلال الموظفين وإشعارهم أن مصيرهم معلق برضا (المسؤول الديكتاتور) عنهم.. وأما الذين يرفضون الإذعان ويرفعون أصواتهم بالنقد فإنهم يتعرضون للمشاكل في عملهم ورزقهم وإغراقهم في دوامة لا تنتهي من المضايقات وصور من الإذلال إما لإسكاتهم أو لتطفيشهم!


وأخيراً.. فإن صناعة الفساد والطغيان تستكمل حلقاتها بتحول (المسؤول) إلى زعامة تفرض نمطا مغاليا في التعقيد في التعامل، وإرهاب العاملين وإرغامهم على توخي الحذر وطلب السلامة بأي ثمن!


(4)


الوقائع والمعلومات والاتهامات التي حواها تقرير أساتذة الجامعة يمكن بسهولة تنزيلها على واقع معظم مؤسسات الدولة الكبيرة والصغيرة، المهمة والهامشية منها..وخطورة تلك الاتهامات لا تنبع فقط من كونها تختص بواقع أكبر جامعة يمنية ولكن لورود أسماء كبيرة في طيات الاتهامات باستغلال النفوذ أو شراء السكوت ولو لم تكن الأطراف الأخرى تفهم ذلك! ولذلك فإن ورود أسماء وزراء ومسؤولين كبار في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ضمن التقرير كانت تفرض على أصحابها أن يبادروا إلى فعل شيء يبرئهم مما قيل عنهم أو اتصل بهم.. لا نقول مثلا –إن د. خالد طميم كان يفترض فيه أن يعلن تجميد عمله حتى تشكيل لجنة تقصي حقائق محايدة فهذا أمر ما يزال في حكم المستحيل.. ولكن كان ينبغي على الآخرين أن يصنعوا ذلك وأن يفعلوا ما بوسعهم لإثبات عدم صحة الاتهامات الموجهة ضدهم! وما لم يحدث ذلك، ولن يحدث، فإن وقائع التقرير تبقى معلقة على أعناقهم.. ولا يجب عليهم أن ينسوا أنهم كلهم موظفون عامون ومن حق المجتمع عليهم أن يطمئن إلى نزاهتهم وسلامة أعمالهم.. وأرجو ألا يهرعوا إلى ديوان المتنبي ليخرجوا للرأي العام بيته الشعري المتداول: وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ...


(5)


نشرت السفارة الأمريكية في صنعاء وهيئة (أمديست) إعلانا عن منحة التبادل الثقافي والتعليمي المعروف ببرنامج (YES) لطلاب الثانوية في اليمن ولدينا ملاحظتان عليه:


الأولى: لوزارة التربية والتعليم التي تملأ الدنيا بالحديث والصراخ عن ضرورة حماية الأجيال من التأثيرات السلبية وضرورة تنقية المناهج مما يسيء للثوابت الوطنية والإسلامية.. فهل يتفق هذا التوجه مع السماح للحكومة الأمريكية بأن تأخذ طلاباً في الثانوية من مواليد (1992) إلى الولايات المتحدة ليدرسوا هناك منهجا غير المنهج اليمني وفي إطار تربوي مختلف؟


الملاحظة الأخرى: لواضعي الإعلانات.. إذ وضعوا شرطا للطلاب المقبولين منها (أن يكون مرنا وملتزما بتشجيع التفاهم بين الثقافات)! ولعل هذا الشرط يشير إلى الهدف (الثقافي) الحقيقي المراد من طلبة صغار.. فما المرونة المطلوبة في طلاب يفترض فيهم أن يدرسوا مناهج علمية كالفيزياء والرياضيات؟


اللوم لا يقع على الأمريكان ولكن على اليمنيين الذين يسلمون فلذات أكبادهم وهم دون السن القانونية إلى مجتمع آخر يعلمهم.. المرونة!
http://www.nasspress.com/nass/index.php?mod=article&cat=%E3%DE%C7%E1%C7%CA%20%E6%CA%CD%E1%ED%E1%C7%CA&article=1064

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق