الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء خالد قاسم: أتمنى ألا تصل الحكومة إلى درجة العجز عن دفع رواتب الموظفين


دعا السلطة لخفض الإنفاق العسكري والأمني.. أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء خالد قاسم: أتمنى ألا تصل الحكومة إلى درجة العجز عن دفع رواتب الموظفين

الاحد, 10.18.2009, 01:23pm (GMT)

حاوره/ عبد الله مصلح

حرب صعدة تحمّل الميزانية المزيد من الأعباء ويكون ذلك على حساب الصحة والتعليم والكهرباء وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المجتمع، ومن الصعب إقناع الشركات للاستثمار في مجالات نفطية جديدة نتيجة للتدهور الحاصل في الأمن، ولهذا يجب أن تفكر الدولة بشكل أكثر جدية في تخفيض حجم الإنفاق العسكري والأمني، والاحتياطي من النقد الأجنبي أصبح يغطي الحد الأدنى للواردات السلعية وهي من ستة إلى ثمانية أشهر، وهذا يشير إلى صعود متوقع للدولار أمام الريال خلال الفترة المقبلة وعدم قدرة البنك المركزي على السيطرة عليه، وإن ضخ البنك المركزي لمزيد من العملة فهو هروب إلى الخلف!
ولابد من إصلاح سياسي أولا لتوفير متطلبات الاستقرار الاقتصادي، ورئيس الجمهورية والحكومة يتحملان المسئولية فيما لو وصلت الأمور إلى عجز الحكومة عن تسليم رواتب موظفيها.
هذا ما أكده لـ"الناس" الدكتور/ خالد قاسم العديني – أستاذ الاقتصاد بكلية الزراعة جامعة صنعاء- في حواره التالي:

- بداية.. ما تعليقك على تحذيرات البنك الدولي لبلادنا من تدهور حاد في المالية العامة وتراجع النمو الحقيقي؟
* البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من المؤسسات التي تنفذ سياسات الدول الكبرى المسيطرة على الاقتصاد العالمي ولهذا فهي تبالغ فيما تصدره من تحذيرات عن كوارث وتهديد بالفشل وغيره، إنما في حالة اليمن فإن وضع الاقتصاد صعب جداً وكل المؤشرات تنبئ عن كارثة ما لم يتم تداركها وفي أسرع وقت ممكن.  
- ما تقييمك للسياسة المالية والنقدية لبلادنا؟
* الإجابة على سؤال كهذا تحتاج إلى شرح واسع والى استخدام أدوات ومعايير لتقييم السياسة المالية والنقدية ومن ثم الحكم عليها، إنما من خلال الواقع الذي نعيشه يمكن الحكم على تلك السياسات من خلال عدة ملاحظات أولها: عندما بدأت الدولة بتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري منذ العام 1996م، كانت تسعى لتحقيق حزمة من الأهداف من أهمها رفع معدل النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وتطوير وتعزيز البنى الأساسية التحتية وخاصة في مجالات الكهرباء والمياه والطرق فإذا كانت اليمن تعانى حالياً من أزمات حادة في الكهرباء والمياه والصحة والتعليم ومحدودية الوظائف.. فإن الوضع أصبح أسوأ مما كان عليه قبل 1996.
الشيء الآخر هو أن النفقات الاستثمارية أقل من الاحتياجات اللازمة لتطوير البنى التحتية وتحسين مناخ الاستثمار وبما يشجع القطاع الخاص على زيادة استثماراته، أي أن تحيز الموازنة باتجاه الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري انعكس سلباً على التخصيص الأمثل للموارد العامة. وطالما أن تلك السياسات المالية فشلت في تعبئة الموارد فهذا دليل على فشلها في استيعاب الأهداف التنموية المختلفة.
- كيف؟
* هناك مثال واضح يدل على فشل تلك السياسات، فرغم ضآلة الإنفاق على الخدمات العامة تظهر الحسابات الختامية للموازنة العامة بتحقيق وفورات في إنفاق بعض الجهات منها التعليم والصحة والكهرباء والزراعة والنتيجة هي ضعف الأثر الاجتماعي للسياسات المالية.
- لكن الإحصائيات والتقارير الرسمية تقول بزيادة حجم الإيرادات العامة؟
* هذه الزيادة في حجم الإيرادات العامة تعزى في الأساس إلى زيادة الإيرادات النفطية الناجمة عن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط (ثلاثة أرباع الإيرادات العامة)، وإذا كانت الموازنة العامة تعاني من عجز مستمر فكيف سيكون الحال إذا ما استمر تراجع إنتاج النفط، مساهمة الإيرادات الضريبية في هيكل الإيرادات العامة للدولة متدنية، مساهمة الإيرادات الجمركية مازالت ضئيلة.
- ما سبب تدني الإيرادات الضريبية والجمركية تحديداً؟
* سوء الأدوات التحصيلية لتلك الضرائب التي تحرم منها الخزينة العامة.
- ما مدى آثار ضخ البنك المركزي لمزيد من العملة للسوق دون أن يواكب ذلك نمو اقتصادي وإنتاجي؟
* تبرز أهمية السياسة النقدية من كون الاستقرار النقدي أحد أهم متطلبات الاستقرار الاقتصادي العام وذلك من خلال التأثير على أدوات السياسة النقدية والتي يأتي في مقدمتها حجم العرض النقدي، نسبة العملة المتداولة خارج الجهاز المصرفي إلى العرض النقدي، مستوى أسعار الفائدة، مستوى سعر الصرف.
وفي اعتقادي أن ضخ البنك المركزي لمزيد من العملة هو هروب إلى الخلف، ولا أعتقد أن البنك يملك عباقرة في اقتصاديات النقود والبنوك وما يقوم به هي معالجات آنية ربما يكون عواقبها قاسية على الاقتصاد اليمني في المستقبل القريب.
- وماذا عن جدوى طرح فئة " 250 ريالاً" للسوق وتحويل فئة (50 ريالاً) إلى عملة معدنية بدلاً عن الورقية؟
*  طرح عملة فئة 250 ريالاً اعتقد أنها إشاعة وليست حقيقة، وإن حدث ذلك فستضاف إلى الأساطير الشعبية في جزيرة العرب.
- بعيداً عن السخرية، ما آثار ذلك واقعياً وبلغة اقتصادية؟
* تحويل فئة 50 ريال إلى عملة معدنية ليس لها سوى مدلول واحد هو مزيد من التدهور لقيمة الريال اليمني ومزيد من ارتفاع أسعار السلع والخدمات بمعنى أنك غداً ستركب الحافلة من جولة سبأ إلى الجامعة الجديدة في أمانة العاصمة بخمسين ريالا وسوف تشتري علبة الكبريت بخمسين ريالا وهكذا...
- برأيك ما سبب تراجع احتياطي اليمن من النقد الأجنبي؟
* معدلات النقد الأجنبي في اليمن أصبحت تنذر بعواقب وخيمة، لأن هذا الاحتياطي أصبح يغطي الحد الأدنى للواردات السلعية وهي من ستة إلى ثمانية أشهر، وهذا يشير إلى صعود متوقع للدولار أمام الريال خلال الفترة المقبلة وعدم قدرة البنك المركزي على السيطرة عليه.
وبلا شك أن الأزمة المالية خلفت تراجعاً في أداء القنوات الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد والمتمثلة في الأساس من عائدات السياحة، وتحويلات العاملين في الخارج وبالإضافة إلى عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اليمن، والتي شهدت جميعها تراجعاً هائلا في السنوات الماضية، فضلا عن تراجع القروض والمساعدات والمنح.
كما أن سياسة أذون الخزانة حملت الميزانية العامة أكثر من تريليون ونصف تريليون ريال كفوائد تدفع للودائع كانت ستوفر الآلاف من فرص العمل لو تم استثمارها في مشاريع استراتيجية.
- لكن في الفترة الأخيرة تضاءل الاستثمار حتى في أذون الخزانة؟
* هذا بسبب انتهاج البنك سياسة خفض الفائدة على الودائع فامتنع الأفراد والمؤسسات عن الاستثمار في أذون الخزانة واتجهوا نحو المضاربة بالدولار.
- ما المطلوب من اليمن لإحداث نمو اقتصادي أو على الأقل منع هذا التدهور؟
* لابد من إصلاح سياسي أولا لتوفير متطلبات الاستقرار الاقتصادي ومن ثم يمكن منع التدهور الحاصل وبعد ذلك يتم الاعتماد على الخبرات والكفاءات في إدارة الاقتصاد وذلك لتعزيز طاقات النمو في كل القطاعات الإنتاجية والخدمية مع إعطاء أولوية لتنمية القطاعات الواعدة (قطاع السياحة ، قطاع الأسماك، الزراعة) لزيادة إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادر توليد الدخل القومي وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على قطاع النفط القابل للنضوب. 
- البعض يرى ضرورة إعادة النظر في نفقات الموازنة، ما رأيك في ذلك؟
* نعم.. يجب ترشيد بنود الإنفاق المختلفة للموازنة ومعالجة جوانب الهدر في الإنفاق وتعديل أسعار السلع لمستوياتها الدولية، وكذلك تعديل أسعار الخدمات بما يتناسب مع تكاليفها الحقيقية، من خلال رفع رسوم الخدمات الحكومية. وفي المقابل يجب إعادة تقييم برامج الدعم وغيرها من سياسات الحماية.
كما يجب أن تفكر اليمن بشكل أكثر جدية في تخفيض حجم الإنفاق العسكري والأمني دون أن يحدث ذلك خطراً على سلامتها وأمنها. ويجب التأكيد على أهمية دفع مستويات الإنفاق الرأسمالي بما يضمن إحداث دفع مستمر لعملية التنمية في الأجل الطويل،  بحيث يقل الاعتماد على قطاع النفط كقطاع أساسي، ومحاولة الإسراع في تبني برامج أكثر جدية للخصخصة تهدف إلى خلق دور أكثر فاعلية للقطاع الخاص بالشكل الذي يجعله الموظف الأساسي لقوة العمل ويقلل من هيمنة الدولة على الاقتصاد الوطني.
- على سبيل ذكر القطاع الخاص.. ما أهم العوائق المؤثرة على القدرة التنافسية للقطاع الخاص؟
* هناك العديد من العوائق التي تواجه القطاع الخاص منها ضعف مستوى الخدمات المتمثلة في الاستشارات الفنية والإدارية والقانونية، وقصور خدمات البنية التحتية (كهرباء، مياه، الطرق والموصلات مطارات..)، والتهريب وإغراق السوق بالسلع المهربة والمغشوشة وبالتالي خلق منافسة غير مشروعة وغير متكافئة بين السلع المهربة وبين منتجات القطاع الخاص، هناك مشاكل متعلقة بالجمارك والضرائب، وهناك مشاكل ناجمة عن تعدد الأجهزة والجهات المشرفة على أنشطة القطاع الخاص، وضعف في القدرات التمويلية، وغيرها.
- وما سبب تراجع التجارة الخارجية لبلادنا وتدني الصادرات مقابل نمو الواردات؟
* هناك أسباب كثيرة أبرزها، التراجع في إنتاج النفط وهو السبب الرئيسي في تراجع قيمة الصادرات لأنه يُمثل أكثر من 90% من قيمة الصادرات اليمنية،أيضاً ضعف الأداء للصادرات غير النفطية، وتواضع صادرات قطاع الزراعة وقطاع الأسماك، وضآلة ومحدودية صادرات القطاع الصناعي. أيضا أزمة الأسعار العالمية التي حدثت العام الماضي أدت إلى ارتفاع في قيمة الواردات. ولا شك بأن سوء إدارة الموارد في اليمن البلد خلف كل تلك المشاكل المتعلقة بقطاع التجارة الخارجية. استمرار مظاهر القصور وضعف فاعلية مكافحة الفساد وأداء السلطة القضائية والمحاكم ومحدودية المساءلة والشفافية، فضلا عن تدني مستوى الخدمات العامة وعدم كفايتها.
- ونحن على أعتاب تقديم موازنة 2010م ما الرسالة التي يمكن أن توجهها سواء للحكومة أو للبرلمان بهذا الشأن؟
* يجب على الحكومة أن تدرك أن الضغوط على السياسات النقدية الناجمة عن تصاعد العجز في ميزانيات اليمن ما زالت محدودة وعند حدها الأدنى، إلا أن هذا الأمر قد لا يستمر بهذا الشكل في الأجل المتوسط خصوصاً إذا ترتب على تزايد مستويات العجز تدهور وضع الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية، إذ من المتوقع أن يترتب على استمرار أوضاع الميزانية بشكلها الحالي تزايد الضغوط على السياسة النقدية لأغراض تمويل العجز مما ينشئ بالتبعية ضغوطاً تضخمية تهدد قدرة اليمن على اتباع سياسات لمعدل الصرف في مقابل الدولار الأمريكي.
- ما مدى تأثير حرب صعدة على الموازنة العامة سواء الموازنة الحالية أو القادمة؟
* من المؤكد أن أي حرب تحتاج إلى نفقات مادية باهظة وحرب صعدة تحمل الميزانية المزيد من الأعباء ويكون ذلك على حساب الصحة والتعليم والكهرباء وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المجتمع.
- ولهذا هل تتوقع تقديم الحكومة لاعتماد إضافي هذا العام؟
* هذا يتوقف على ما ستؤول إليه الأمور بشأن حرب صعدة وعلى مدى التنسيق بين اليمن والسعودية، وفي حال استمرار الأزمة السياسية لا يستبعد أن يكون هناك اعتماد إضافي خلال الربع الأخير من العام الحالي.
- ما صحة التهديدات التي أطلقتها تقارير محلية وخارجية بنضوب النفط في بلادنا، وما تأثير ذلك على الموازنة التي تعتمد على النفط بنسبة 70%؟
* التهديدات بشأن نضوب النفط في اليمن تأتي من اعتماد الخبراء على أن اليمن لا يمتلك في الأصل مخازن كبيرة من النفط كما في بعض الدول، وليس لدى اليمن خبرة كافية في إدارة موارد النفط والغاز والتعامل مع الشركات الأجنبية التي تعمل في مجالات النفط كل هذا يؤكد صحة تلك التهديدات، وتقارير البنك المركزي تثبت ذلك، ومن الصعب على الحكومة إقناع الشركات للاستثمار في مجالات نفطية جديدة نتيجة للتدهور الحاصل في الأمن.  
- ما توقعاتك لنجاح بلادنا في جذب الاستثمارات الخارجية وخاصة الخليجية منها في ظل دعم سياسي كبير لبلادنا؟
* لن يكون هناك أي جذب لاستثمارات جديدة سواء أجنبية أو عربية في ظل الطاقم الحالي الذي يدير الاقتصاد والاستثمارات في البلد.
- برأيك لماذا تعثرت عملية تأهيل الاقتصاد اليمني التي أعلنتها دول مجلس التعاون الخليجي سابقاً؟
* لأن النية والمصداقية لم تتوفر لدى من أوكلت إليهم مهمة تأهيل الاقتصاد اليمني، كما أن هناك فوارق كبيرة بين اليمن ودول الخليج في كثير من المجالات (متوسط دخل الفرد، الخدمات العامة، السياسات) وأعتقد أن دول الخليج نفسها لا تملك الرغبة الكافية في مسألة انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي في ظل الوضع القائم في اليمن.  
- هناك من يتحدث عن استثمارات لمسئولين يمنيين كبار في الخارج.. ما تأثير ذلك على الاستثمار الخارجي في بلادنا؟
* هناك كثير من المسئولين في اليمن يعملون في الاستثمار والتجارة ومشكلة استثماراتهم في الخارج تكمن في منحهم امتيازات وحقوق لا يستحقونها بحكم وجودهم في الحكومة أو بحكم قربهم وصلاتهم بمراكز اتخاذ القرار في البلد وهنا تتضرر مصالح المجتمع ومصالح القطاع الخاص أيضا..
 - ما قراءتك للمستقبل الاقتصادي لبلادنا؟
* كل المؤشرات التي تحملها التقارير الرسمية والإقليمية والدولية تنذر بمستقبل مجهول شديد الخطورة، ورغم ذلك ما زال الأمل كبير في إنقاذ البلد من الأزمات إذا ما صدقت النوايا عند القيادة السياسية، وهناك أسئلة أطرحها كمواطن يمني على سيادة رئيس الجمهورية وهي: لماذا كل دول الجوار تعيش في أمن واستقرار، بينما المجتمع اليمني لم ينعم بشيء من ذلك منذ سنوات؟ لماذا تصدرت اليمن المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث معدل الفقر العام (وفقا لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية للعام 2009م) في حين أنها تمتلك موارد أفضل مقارنة ببعض تلك الدول؟.  
- البعض يبدي تخوفاً شديداً إلى درجة الترقب بعجز مفاجئ للدولة عن تسليم رواتب الموظفين في أي لحظة؟ ما قولك في ذلك؟
* قد يأتي الوقت الذي يفقد فيه الجميع السيطرة على الأمور.
- ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟
* أعتقد أن رئيس الجمهورية والحكومة يتحملان المسئولية فيما لو وصلت الأمور إلى عجز الحكومة عن تسليم رواتب موظفيها، وأتمنى أن لا يحدث ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق