عن صحيفة الناس (16 نوفمبر 2009)
(1)
من العبارات الساخرة الشهيرة المأثورة عن الأستاذ أحمد محمد النعمان أن العادة جرت في بلادنا أن يتم إلقاء القبض على المقتول ويهرب القاتل!
وقد يكون مفهوما أن يهرب القاتل كما يحدث في كل بلاد الدنيا.. لكن إلقاء القبض على المقتول تعبير بالغ السخرية من الأستاذ النعمان.. وإن كان للأمانة، يتضاءل في سخريته بجوار الخبر الذي قال إن رئيس جامعة صنعاء شكل مجلسا تأديبيا لعدد من الأساتذة الذين أعدوا تقريرا عما وصفوها بأنها ممارسات فساد مالي وإداري وأكاديمي في الجامعة الأكبر في اليمن!
والحق أن تشكيل المجلس التأديبي فاق التوقعات حول ردود فعل إدارة الجامعة.. ما بين اعتماد القاعدة اليمنية المعروفة (اقتلوهم بالصمت) أو مطالبة الجهات المختصة بمكافحة الفساد بالتحقيق في تلك الاتهامات! لكن لم يخطر بالبال –على الأقل بالنسبة لنا- أن يصل الأمر إلى أن يعمد المتهم الأول بتشكيل مجلس لمحاكمة المدعين عليه! وحتى لو قيل إن تشكيل المجلس جاء بعد تشكيل لجنة لفحص الاتهامات وثبوت عدم صحتها، فالأمر يبقى غير منطقي تماما كعدم منطقية إلقاء القبض على المقتول.. لأن المنطقي والمفترض أن يطالب رئيس الجامعة بتدخل طرف ثالث محايد، أو بعيد عن الجامعة، ليكون حكما بين تقرير الإدانة وتقرير البراءة!.. أما أن يقوم هو بمحاكمة المتهمين عبر لجنة أنشأها فذلك يعني –حتى إشعار آخر- أن جانبا كبيرا من الاتهامات صحيح، ولا يراد لها أن تخضع للتحقيق بواسطة لجنة محايدة.. وأن الإدارة قررت أن تحل الأمر وفق قاعدة (زيتنا في دقيقنا)!
(2)
حتى نهاية الأسبوع الماضي لم يسمع الرأي العام اليمني موقفا واحدا من الجهات المفترض بها مكافحة الفساد، فضلا عن وزارة التعليم العالي، بشأن الاتهامات المشار إليها والتي لم تكن مجرد كلمات بل دعمت بالأسماء والوقائع التي تنفي أي عذر يمكن أن يقوله مكافح للفساد بأن الاتهامات مفبركة أو غير دقيقة أو لم تتضمن وقائع محددة!
وقد قلنا في مقال سابق عن هذا الموضوع إنه يجب أن يسارع المسؤولون الذين وردت أسماؤهم في التقرير –وخاصة في الهيئة العليا لمكافحة الفساد- إلى تجميد نشاطهم والإصرار على تشكيل لجنة محايدة لدراسة التقرير لبيان الحقيقة.. وإلا فإن صلاة الجنازة تصير واجبة على فكرة مكافحة الفساد!
(3)
في الصحف المستقلة، وكذلك في بعض الصحف المؤتمرية، يقرأ اليمنيون معلومات عن ممارسات الفساد بالاسم والمنصب ومقدار الأموال المنهوبة تحت الذرائع والمبررات اليمنية المشهورة (بدلات مكافأة –مساعدات- علاوات الخ).. ومع كل ذلك فمكافحة الفساد لا تبدي السرعة المطلوبة في التعامل مع الأمر ولا في إعلان موقفها! وإذا كانت البلاد تشهد مثل هذا الكم الهائل من الفساد المعلن والموثق ثم لا يرى المواطنون ولا يسمعون مواقف حازمة من لجنة مكافحة الفساد تحت مبررات روتينية.. فهل يجوز بعد ذلك أن تطالب اللجنة المواطنين بالصبر وعدم الاستعجال؟
نعلم –كغيرنا- أن اللجنة المكلفة بمكافحة الفساد لا تخلو من عيوب قاتلة تعرقل أعمالها.. ولعل أسوأ هذه العيوب أنها ضمت شخصيات خرجت من جيوب السلطة.. كما أنها أصيبت بالمرض اليمني الشائع: وهو وضع شخصية مشهورة بنزاهتها في القمة ثم تسليم بقية الجسد لأهل الولاء التام وأقاربهم الذين هم (مضمونين وكالة) بأن يفعلوا كما السابقين: أي يفرغوا هذا العمل أو الحلم العظيم من الداخل ويحولونه إلى مؤسسة حكومية تقليدية لمكافحة الفساد تشبه طريقة صلاة الجمعة في سجن الرادع كما تقول النكتة المشهورة!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق