د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
نشرت صحيفة الثورة الرسمية في عددها الصادر يوم 22 اكتوبر في صفحتها الأخيرة خبرا يقول ان اعرق واكبر تجمع للعقول اليمنية وهو جامعة صنعاء حصل على تقدير "مقبول" في تصميم المشاريع المتصلة بالتطوير الأكاديمي والمقدمة للتمويل من قبل البنك الدولي. ولو أن الخبر يتصل بالتقدير الذي حصل عليه الدكتور خالد عبد الله طميم رئيس الجامعة في مرحلة البكالوريوس لما استحق ان يعيره احد ادنى اهتمام. لكنه يتصل بالقدرات الذهنية لرئيس جامعة صنعاء والفريق الذي يعمل معه...الفريق الذي لا يمثل باي حال القدرات والطاقات التي تملكها جامعة صنعاء بقدر ما يمثل الهزال القيادي لطميم الذي يعتقد ان القيادة تتحقق بالشخط والنخط والمرافقين وتعيين الأضعف والأقل قدرة وتجميع الدكاترة بالعشرات لينتظروا امام مكتبه وتهديد المجتمع الأكاديمي بقبائل "عذر" وارغام اعضاء مجلس الجامعة على تبني قرارات لا تحترم الدستور ولا القانون وتضر بالجامعة كمؤسسة علمية وباعضائها كاساتذة.
صناعة الفشل
تولى طميم رئاسة جامعة صنعاء في فبراير 2006. وتفاءل بعض الأكاديميين ومنهم كاتب هذا الموضوع بصعود هذا الشاب المهندم والذي قال عن نفسه في مقابلة نشرتها صحيفة "الحياة اليوم" الأسبوع الماضي "انا لا اخزن ولا ادخن ولا اتناول المشروبات الروحية" رغم ان كل ما يعرفونه عنه هو ان أسمه يكتب مسبوقا بحرف الـ"د" وفيما عدى ذلك فانه لا يعرف كباحث ولا كمفكر ولا ككاتب ولا كاداري ناجح ولا كحامل رؤية استراتيجية لتطوير الجامعة ولا كنقابي ولا كصاحب نظرية في التطور الإجتماعي. ويقول احد الذين حضروا مناقشة طميم لرسالة الدكتوراه، والقائل "زقوة" من ابناء صنعاء القديمة، ان رأسه، اي رأس ذلك الزقوة، تحول اثناء النقاش الى "زبيبة" بسبب ضعف اداء طميم. لكن ذلك القول لم يكن له أهميته حينها على اعتبار ان اي طالب دكتوراة يمكن ان يحدث له ذلك الموقف دون ان يعني شيئا وان العبرة في العمل في الميدان.
كان من الواضح ان طميم سيجد صعوبة في ملىء الفراغ الذي خلفه الدكتور صالح باصرة وزير التعليم العالي الحالي والذي كان، رغم كل مساوئه، قد وضع الملامح العامة لإستراتيجية تطوير جامعة صنعاء. وظن الكثيرون ان طميم الذي ظل طريقه فوجد نفسه رئيسا لجامعة صنعاء دون ان يمر في اي مرحلة من مراحل حياته بجهاز فحص القدرات المطلوبة في اي اكاديمي سيقتفي على الأقل خطى الدكتور باصرة ويسير على الطريق الذي رسمه له ويحقق بالتالي التطوير المنشود في الجامعة.
لكن طميم الذي يوشك ان يكمل اربع سنوات في قيادة أهم جامعة في البلاد ظل طريقه من جديد وما الخبر المنشور في صحيفة الثورة بتاريخ 22 اكتوبر سوى رأس جبل الثلج الذي تكون داخل محيط جامعة صنعاء. وقد تحول طميم الى معول هدم لكل ما بناه باصرة والسابقون على باصرة حيث بدأ نشاطه داخل الجامعة بالإنقضاض على الحريات..حريات الإساتذة وحريات الطلاب وعمل على توتير العلاقة بين الفئات المكونة للجامعة وخصوصا بين الأمن والطلاب ..وكانت أولى ثمار القبضة الأمنية لطميم هي قتل طالبين..الأول لقي حتفه اثناء محاولته الفرار من على طقم تابع لأمن الجامعة، والثاني في اشتباك مع أمن الجامعة لإنه حاول الدخول بدون بطاقة جامعية. ويلتف حبل المشنقة اليوم حول رأس جندي مسكين كان ضحية للقبضة الأمنية لرئيس الجامعة ولسياساته التي لا تفرق بين قيادة جامعة وقيادة جهاز امني. وبدلا من ان يستفيد طميم من الأخطاء وجه أمن الجامعة من جديد لمنع 10 من منتقديه من دخول الجامعة التي هي بيتهم ولدوا فيها وسيموتون فيها. لكن مسئولي الأمن هذه المرة وقد تعلموا من الدروس رفضوا تنفيذ اوامر طميم. وانقض طميم بعد ذلك على الحريات الأكاديمية. وصادر اختصاصات نوابه وعمداء الكليات وجمع الموارد والسلطات بين يديه، ولم يعد بامكان عميد الكلية ان يعطي امرا للعسكري الواقف على بوابة الكلية التي يديرها بان يدخل شخصا الى حرم الكلية ناهيك عن ممارسة اي اختصاصات أخرى.
ومع ان طميم ليس مخترع الفساد في اليمن الإ ان ما يحسب له في هذا الجانب هو انه اعطى الفساد معنى جديدا..ففي حين كان اكثر من 400 من موظفي الجامعة يكتبون الى وزير التعليم العالي ليشكون اليه ظلما لم يعرفوه في عهد اي رئيس جامعة قبله، كان طميم ومعه شلة صغيرة جدا يلهفون موارد الجامعة بما في ذلك حساب الموازي بالدولار وبالريال وحساب التعليم عن بعد وحسابات الموازنة وتغذية الموظفين وحوافزهم الشهرية. وزيادة في ظلم الموظفين الذين افقرتهم سياساته الإنانية ذهب طميم في مقابلته مع صحيفة "الحياة اليوم" الى ان المكافات التي يصرفها من الموازي تذهب الى الإداريين. ولم يكلف طميم نفسه بنشر قائمة الخمسين شخصا في الجامعة الأكثر حظا في الحصول على المكافات من جميع الحسابات في عهده او حتى بالمبالغ التي صرفت لسائقه واقارب سائقه ليؤكد للجميع ان اموال الجامعة تصرف ولا تنهب.
اطاح طميم بكل القواعد القانونية والإعراف الأكاديمية واصبحت الجامعة تمشي على رأسها بعد ان بدأ رئيس الجامعة يمرر قرارات التعيين والترقية المخالفة على مجلس الجامعة أولا ثم يمررها بعد ذلك على المجالس الأدنى ان شاء ذلك. ويتجمع لدى نقابة اعضاء هيئة التدريس ولدى اللجنة التحضيرية لمنظمة اكاديميين ضد الفساد عشرات القرارات بالتعيينات المخالفة للقانون. وقد اشارت المقالات التي نشرت باسماء عشرة من اعضاء هيئة التدريس في الجامعة الى النزر اليسير من التعيينات التي تستغل الوظيفة والموارد العامة وتنتهك الدستور والقانون في سبيل بناء نفوذ كبير داخل الجامعة وخارجها. وما نشر حتى الان هو مجرد النزر اليسير. فقد تمكن طميم وبواسطة التعيينات المخالفة للقانون من اختراق اكثر الأجهزة حساسية داخل الدولة. ويبرر طميم في مقابلته مع صحيفة "الحياة اليوم" كل ذلك بقوله "انا اغلط في بعض الإجراءات لإن من يعمل قد يخطىء." اليست الجامعة مؤسسة فيها متخصصين في كل فروع المعرفة؟ أم انها فقط خالد طميم الذي يعمل فيخطأ؟
وهناك بالطبع التعيينات للعمداء ورؤوساء الأقسام في كليات لا تتفق مع تخصصاتهم. وحتى يجد مواقع يعين فيها الأشخاص استحدث طميم كما يقول 20 مركزا علميا..لكن من الواضح ان معظم تلك المراكز لم تنجز اي شيىء وان طميم لم يحول لها اي مبلغ من ملايين الدولارات التي عبث بها وبحيث تتمكن من تنفيذ اي نشاط. ثم كيف يفتتح طميم مراكز جديدة في حين تغلق بعض الكليات برامجها بسبب غياب التمويل؟ ورغم كل ذلك يقول طميم في مقابلته مع صحيفة "الحياة اليوم" انه اسس تلك المراكز من حساب الموازي ولم يكلف نفسه ايراد المبالغ التي انفقها على المراكز التي استحدثها او الأنشطة التي نفذتها. لماذا لا ينشر طميم المعلومات للراي العام حول منجزاته التي يتحدث عنها؟ لماذا لا يكون شفافا مع الراي؟
وبالرغم من ان كثيرا مما نشرته الصحف باسماء أساتذة الجامعة لا يحتاج الى برهان وواضح وضوح الشمس الا ان كل متهم بريء حتى تثبت ادانته. وكان من حق طميم ان يذهب بقضيته الى اي جهة مختصة وان يظهر احتراما لنصوص الدستور لكنه ظل طريقه كالعادة. وبدلا من ان يتقدم الى وزير التعليم العالي او الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة او الهيئة العليا لمكافحة الفساد ويطالب بفحص حسابات الجامعة واجراءات التعيين حتى يبرأ طرفه ويدين الأساتذة الذين انتقدوه عين نفسه نائبا عاما ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى ومحققا وقاضيا. ومع ان لكل منا وجهة نظر في القضاء الا ان قول رئيس الجامعة في مقابلته مع صحيفة الحياة اليوم "اذا اردت الرشوة كنت ساستمر في العمل القضائي" وتهديده لمجلس الجامعة باباحة الجامعة لقبائل "عذر" اذا لم يتبنوا قراراه باحالة خصومه الى مجلس تأديبي هي كلها مؤشرات على الأسلوب الذي يدير به طميم الجامعة.
الجامعة بخير
برغم الأزمات التي صنعها طميم والتي تكاد تعصف بالجامعة الإ ان الجامعة ما زالت بخير. والجامعة ليست المكتب الأسطوري لرئيسها ولا المباني او المعامل المنهارة ولا سواق رئيس الجامعة الذي يحمل درجة مدير عام ويلقب بالأستاذ الدكتور، بل هي الأساتذة والطلاب والموظفين ورجال الأمن وغيرهم من الذين يحلمون بغد افضل ويحملون مستقبل اليمن امانة في اعناقهم . ففي جامعة صنعاء الكثير من الكفاءات والقيادات التي وقفت بقوة وشجاعة امام تجاوزات الدكتور صالح باصرة رئيس الجامعة السابق ولغيره ورفضت التنازل عن القيم الأكاديمية واللوائح واستمرت تقبض على الجمر رغم كل شي. هناك من الإساتذة المتخصصين في الأدارة في جامعة صنعاء من هو قادر على الإنتقال بالجامعة الى مصاف الجامعات المتقدمة من امثال الأستاذ الدكتور عبد الكريم السياغي الذي رفض الإستمرار كعميد لكلية التجارة والإقتصاد في عهد باصرة على حساب التفريط بالقواعد والنظم الأكاديمية، والأستاذ الدكتور سنان المرهضي الذي يعمل حاليا نائبا لعميد كلية التجارة. وهناك الأستاذ الدكتور عبد الباقي الشرجبي الذي يعد من أكثر الأكاديميين صرامة. وهناك من القانونيين في كلية الشريعة والقانون من يحترمون الدستور والقانون ويتمسكون بالثوابت والقيم الأكاديمية الى الحد الذي أضطر معه الدكتور صالح باصرة ان يعتذر لهم عندما كان رئيسا للجامعة بعد ادراكه انه أخطأ في حقهم وتجاوز القانون. وكل من ذكر اعلاه هم من الحزب الحاكم وليس من المعارضة.
وليس هناك من دليل على ان الجامعة بخير اكثر قوة ودلالة من حقيقة ان 7 من الأساتذة العشرة الذين نشروا الإتهامات لطميم ليسوا فقط اعضاء في الحزب الحاكم بل ايضا نشطاء فيه ومنهم من كان ملتصقا بطميم ومن حاول اسداء النصح له ولفت انتباهه الى الكثير من الجوانب. لكنه بدلا من الإستماع الى زملائه ابى واستكبر. اما الأساتذة الثلاثة الآخرين فمعروفون باستقلالهم السياسي وانحيازهم لقضايا الوطن ومصالحه. وفي حين كان طميم يعبث باموال الجامعة كان بعضهم يتبرع بجزء صغير من مرتبه لدعم الأنشطة الفصلية للطلاب بعد ان تنصلت الجامعة من تمويلها.
ومع انه من المؤسف ان ينحدر رئيس اكبر واهم واعرق جامعة يمنية الى مستوى تهديد مجلس الجامعة باباحة الجامعة لقبائل "عذر" ان لم يوافقوا على احالة خصومه الى مجلس تأديبي، وان يستغل سلطاته داخل الجامعة لإرتكاب افعال تعد من قبيل "الجرائم" حتى في العرف القبلي الإ ان ما ينبغي ان يفهمه طميم جيدا هو ان الأساتذة العشرة الذين اتهموه بالفساد ليسوا لقطاء تم العثور عليهم جوار براميل القمامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق